سلطان العجلونيبعد ليلة من الجحيم لا يجيد صنعها إلا جلادو المخابرات الصهيونية، نُقلت من معسكرات الجيش الإسرائيلي حيث تم اعتقالي، بعد أن تمكنت من التسلل داخل معسكر مسؤول عن حماية نقطة حدودية مع الأردن وقتل ضابط صف إسرائيلي، إلى مركز اعتقال تابع للمخابرات الإسرائيلية.
" عندما دخلت المعتقل والكيس يغطي رأسي، أمروني بالركض، ركضت بضع خطوات واصطدمت بحائط، ثم أجبروني على الاستدارة وتكرار ذلك عدة مرات " | استغرقت الطريق من منطقة جسر دامية شمال البحر الميت إلى هذا المركز أكثر من ساعتين تفنن فيها الجنود بـ"تطعيج" خلقتي بضربي على وجهي ورأسي المغطى بكيس من القماش السميك (الشادور) كانت يداي مقيدتان بقيود بلاستيكية حفرت فيهما أخاديد ستبقى آثارها بادية للعيان في السنوات العشر القادمة.بعد ساعتين من السير على الطرق الإسفلتية العامة نزلت السيارة إلى طريق ترابي يمر بين معسكرات للجيش، وسارت بنا نصف ساعة أخرى، عندما وصلنا إلى مركز التحقيق شعرت بأننا ننزل تحت الأرض وأن بوابة ضخمة أُغلقت. أنزلوني من السيارة وأمروني بالركض -والكيس يغطي رأسي- ركضت بضع خطوات واصطدمت بحائط، ثم أجبروني على الاستدارة وتكرار ذلك عدة مرات، ربما لأفقد الإحساس بالجهات. سمعت أصوات كلاب تأتي من تحت الأرض وقالوا لي إنني ذاهب إليها، وتذكرت قصص التعذيب التي رواها معتقلو الإخوان الجرجسين في العهد الناصري، وأيقنت أنني سأجربها على جلدي قريبا، فبدأت بالدعاء والابتهال إلى الله. بعد ذلك أدخلوني إلى غرفة كبيرة فيها مكتب وكرسي وأبواب من القضبان تفضي إلى زنازين صغيرة. جردوني من الملابس بالكامل وجزوا شعر رأسي تماما، وأبقوا ما يشبه الحواجب فوق أذني. ثم دخل من قال إنه طبيب وسألني إن كانت الإصابة في يدي من الرصاص فأجبت بأنها من الضرب، تفحص رأسي الذي اختلفت تضاريسه من الضرب ثم ضحك وقال إنه أصبح الآن حبة بطاطا. أعطوني ملابس السجن التي لم تناسب حجمي الصغير ثم اقتادوني مغطى الرأس بذلك الكيس ذي الرائحة العفنة، والذي سيرافقني في الأيام السبعة والأربعين التي سأمكثها في هذا المكان، إلى زنزانة صغيرة باردة رطبة عرضها أقل من متر وطولها أقل من مترين، فيها فرشة إسفنج ودلو لقضاء الحاجة وإبريق للشرب. جدران الزنزانة من الإسمنت الخشن مطلية بالسواد، وهناك في السقف توجد فتحة صغيرة تشبه المدخنة تدخل الهواء دون أن تسمح برؤية السماء حتى لا تعلم الليل من النهار، أما الباب فهو أقرب ما يكون لأبواب الخزنة في البنوك الكبرى ليس فيه ثقب إبرة، وفوق الباب هناك كشاف قوي مسلط على وجهي مضاء ليل نهار. مكثت في زنزانتي الصغيرة أربعة أيام في عزلة مطلقة، ولم أكن أرى وجه إنسان ولا أسمع صوتا إلا عندما يقتادونني إلى جولة جديدة من التحقيق. وتحت ضغط التحقيق المتواصل والعزلة فقدت إحساسي بالزمان والمكان، ثم فقدت الوعي فنقلوني إلى زنزانة بنفس المواصفات ولكنها أوسع قليلا، وفيها سرير من الإسمنت على هيئة القبر. كانت إلى جواري زنازين أخرى، وجميع الذين تعرفت إليهم هناك كانوا من المناضلين العرب الذين نفذوا عمليات فدائية عبر الحدود أو تم اختطافهم من خارج فلسطين، منهم العراقي والأردني واللبناني وغيرهم. العزلة كانت شبه مطلقة ولكننا تواصلنا بواسطة الصراخ الذي ينتقل عبر فتحات التهوية في السقف، وهناك تعرفت على معتقلين من حزب الله أمضوا سنوات عديدة في هذا المكان، وسمعت منهم عن وجود الشيخ عبد الكريم عبيد في قسم آخر من المعتقل. أنا شخصيا لم أتعرض للتعذيب الجسدي في هذا المكان وكانت الضغوط التي مورست ضدي نفسية ومعنوية، ولكن غيري لم يحالفه نفس الحظ، وقد سمعنا كلنا عن التعذيب الذي تعرض له الشيخ مصطفى الديراني في هذا المكان، والذي وصل إلى الاعتداء الجنسي والاغتصاب، وتم إثبات ذلك في المحاكم الإسرائيلية ذاتها. معلوماتنا عن المعتقل التي استنتجناها من التجربة، كانت أنه تابع للمخابرات الإسرائيلية، ومخصص لاحتجاز الأسرى العرب غير الفلسطينيين، وأنه يقع تحت الأرض في منطقة عسكرية قريبة من مطار، وفي منطقة تكثر فيها الغربان، وتبعد عن حيفا حيث معتقل الجلمة الذي نُقلت إليه فيما بعد مدة ربع ساعة وعن تل أبيب ساعتين وربع بالسيارة.
" شارون: عندما كنت في سلاح المظليين كنا نخطف جنودا أردنيين ضمن خطة سميناها بنك الأسرى لنستخدمهم أوراق مساومة إذا وقع جنودنا في الأسر " | وقال لنا بعض المحامين لاحقا إن هذه الأوصاف تنطبق على منطقة الصرفند في شمال فلسطين فأطلقنا عليه اسم معتقل الصرفند.لم يكن يعلم أمر وجود هذا المعتقل ولا مكان تواجده ولا هوية المحتجزين فيه سوى الجهات الأمنية المعنية، وبطبيعة الحال لم تكن هناك زيارات للأهالي ولا للمحامين. أما الصليب الأحمر فكان يسمح له برؤية الأسير بعد 21 يوما على أسره -إن كان من الذين تعترف إسرائيل بوجودهم لديها- ولكن ليس داخل المعتقل نفسه بل كانوا يأخذوننا بعيون مغمضة إلى موقع عسكري يبعد عدة ساعات حيث نلتقي هناك بمندوب الصليب. والسؤال المثير لماذا لم يقم الصليب الأحمر بالاحتجاج
|